فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب}:

.قال الفخر:

{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب}.
هذا ثناء من الله تعالى على الذين قالوا آمنا به، ومعناه: ما يتعظ بما في القرآن إلا ذوو العقول الكاملة، فصار هذا اللفظ كالدلالة على أنهم يستعملون عقولهم في فهم القرآن، فيعلمون الذي يطابق ظاهره دلائل العقول فيكون محكمًا، وأما الذي يخالف ظاهره دلائل العقول فيكون متشابهًا، ثم يعلمون أن الكل كلام من لا يجوز في كلامه التناقض والباطل، فيعلمون أن ذلك المتشابه لابد وأن يكون له معنى صحيح عند الله تعالى، وهذه الآية دالة على علو شأن المتكلمين الذين يبحثون عن الدلائل العقلية، ويتوسلون بها إلى معرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله، ولا يفسرون القرآن إلا بما يطابق دلائل العقول، وتوافق اللغة والإعراب.
واعلم أن الشيء كلما كان أشرف كان ضده أخس، فكذلك مفسر القرآن متى كان موصوفًا بهذه الصفة كانت درجته هذه الدرجة العظمى التي عظم الله الثناء عليه، ومتى تكلم في القرآن من غير أن يكون متبحرًا في علم الأصول، وفي علم اللغة والنحو كان في غاية البعد عن الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار». اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب} عطف على جملة {يَقُولُونَ} سيق من جهته تعالى مدحًا للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر لما أنهم قد تجردت عقولهم عما يغشاها من الركون إلى الأهواء الزائغة المكدرة لها واستعدوا إلى الاهتداء إلى معالم الحق والعروج إلى معارج الصدق، وللإشارة إلى ذلك وضع الظاهر موضع الضمير هذا على تقدير أن يكون الوقف على {الراسخون} وهو الذي ذهب إليه الشافعية. وسائر من فسر المتشابه بما لم يتضح معناه، وأما على تقدير أن يكون الوقف على {إِلاَّ الله} وهو الذي ذهب إليه الحنفية القائلون بأن المتشابه ما استأثر الله تعالى بعلمه فالراسخون مبتدأ وجملة {يَقُولُونَ} خبر عنه، ورجوح الأول بوجوه: أما أولًا: فلأنه لو أريد بيان حظ الراسخين مقابلًا لبيان حظ الزائغين لكان المناسب أن يقال وأما الراسخون فيقولون، وأما ثانيًا: فلأنه لا فائدة حينئذ في قيد الرسوخ بل هذا حكم العالمين كلهم، وأما ثالثًا: فلأنه لا ينحصر حينئذ الكتاب في المحكم والمتشابه على ما هو مقتضى ظاهر العبارة حيث لم يقل ومنه متشابهات لأن ما لا يكون متضح المعنى ويهتدي العلماء ألى تأويله ورده إلى المحكم لا يكون محكمًا ولا متشابهًا بالمعنى المذكور وهو كثير جدًا وأما رابعًا: فلأن المحكم حينئذ لا يكون أمّ الكتاب بمعنى رجوع المتشابه إليه إذ لا رجوع إليه فيما استأثر الله تعالى بعلمه كعدد الزبانية مثلًا، وأما خامسًا: فلأنه قد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس فقال: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» ولو كان التأويل مما لا يعلمه إلا الله تعالى لما كان للدعاء معنى، وأما سادسًا: فلأن ابن عباس رضي الله تعالى عنه كان يقول: أنا ممن يعلم تأويله، وأما سابعًا: فلأنه سبحانه وتعالى مدح الراسخين بالتذكر في هذا المقام وهو يشعر بأن لهم الحظ الأوفر من معرفة ذلك، وأما ثامنًا: فلأنّه يبعد أن يخاطب الله تعالى عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته، والقول بأن أما للتفصيل فلابد في مقابلة الحكم على الزائغين من حكم على الراسخين ليتحقق التفصيل.
غاية الأمر أنه حذفت أما والفاء، وبأن الآية من قبيل الجمع والتقسيم والتفريق فالجمع في قوله سبحانه: {أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب} والتقسيم في قوله تعالى: {مِنْهُ آيات محكمات هُنَّ أُمُّ الكتاب وَأُخَرُ متشابهات} والتفريق في قوله عز شأنه: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} الخ فلابد في مقابلة ذلك من حكم يتعلق بالمحكم وهو أن الراسخين يتبعونه ويرجعون المتشابه إليه على ما هو مضمون قوله سبحانه: {والرسخون فِي العلم} الخ مجاب عنه بأن كون أما للتفصيل أكثري لا كلي ولو سلم فليس ذكر المقابل في اللفظ بلازم. ثم لو سلم بأن الآية من قبيل الجمع والتقسيم والتفريق فذكر المقابل على سبيل الاستئناف أو الحال أعني: {يقولون} الخ كاف في ذلك، ورجح الثاني بأنه مذهب الأكثرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وأتباعهم خصوصًا أهل السنة، وهو أصح الروايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، ولم يذهب إلى القول الأول إلا شرذمة قليلة بالنسبة إلى الأكثرين كما نص عليه ابن السمعاني وغيره ويد الله تعالى مع الجماعة ويدل على صحة مذهبهم أخبار كثيرة: الأول ما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره.
والحاكم في مستدركه عن ابن عباس أنه كان يقرأ وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به فهذا يدل على أن الواو للاستئناف لأن هذه الرواية وإن لم تثبت بها القراءة فأقل درجاتها أن تكون خبرًا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه على من دونه، وحكى الفراء أن في قراءة أبيّ بن كعب أيضا ويقول الراسخون في العلم. وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق الأعمش قال في قراءة ابن مسعود وإن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به الثاني ما أخرج الطبراني في الكبير عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وما يبتغي تأويله إلا الله تعالى».
الحديث الثالث: ما أخرج ابن مردويه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضًا فما عرفتم منه فاعملوا به وما تشابه فآمنوا به».
الرابع: عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن في سبعة أبواب على سبعة: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعلموا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا».
وأخرج البيهقي في الشعب نحوه عن أبي هريرة، الخامس: ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس مرفوعًا «أنزل القرآن على أربعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى ومن ادعى علمه سوى الله تعالى فهو كاذب» إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على أن المتشابه مما لا يعلم تأويله إلا الله تعالى، وذهب بعض المحققين إلى أن كلا من الوقف والوصل جائز ولكل منهما وجه وجيه وبين ذلك الراغب بأن القرآن عند اعتبار بعضه ببعض ثلاث أضرب محكم على الإطلاق. ومتشابه على الإطلاق ومحكم من وجه متشابه من وجه، فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب. متشابه من جهة اللفظ فقط. ومن جهة المعنى. ومن جهتهما معًا، فالأول: ضربان. أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة أما من جهة الغرابة نحو الأب ويزفون، أو الاشتراك كاليد والعين. وثانيهما يرجع إلى جملة الكلام المركب وذلك ثلاثة أضرب. ضرب لاختصار الكلام نحو: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ في اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] وضرب لبسطه نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئ} [الشورى: 11] لأنه لو قيل: ليس مثله شيء كان أظهر للسامع. وضرب لنظم الكلام نحو: {أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمًا} [الكهف: 1، 2] إذ تقديره أنزل على عبده الكتاب قيمًا ولم يجعل له عوجًا والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى وأوصاف يوم القيامة فإن تلك الصفات لا تتصور لنا إذ لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه أو ليس من جنسه، والمتشابه من جهتهما خمسة أضرب:
الأول: من جهة الكمية كالعموم والخصوص نحو: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5].
والثاني: من جهة الكيفية كالوجوب والندب في نحو: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء} [النساء: 3].
والثالث: من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102].
والرابع: من جهة المكان والأمور التي نزلت فيه الآية نحو: {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} [البقرة: 189] و{إِنَّمَا النسئ زِيَادَةٌ في الكفر} [التوبة: 37] فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه تفسير هذه.
والخامس: من جهة الشروط التي يصح بها الفعل ويفسد كشرط الصلاة والنكاح، ثم قال: وهذه الجملة إذا تصورت علم أن كل ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم؛ ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب. ضرب لا سبيل للوقوف عليه كوقت الساعة وخروج الدابة وغير ذلك. وقسم للإنسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ الغريبة والأحكام الغلقة. وضرب متردد بين الأمرين يختص بمعرفة بعض الراسخين في العلم ويخفى على من دونهم، وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله تعالى عنه: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل».
وإذا عرفت هذا ظهر لك جواز الأمرين الوقف على {إِلاَّ الله} والوقف على {الراسخون} وقال بعض أئمة التحقيق: الحق أنه إن أريد بالمتشابه ما لا سبيل إليه للمخلوق فالحق الوقف على {إِلاَّ الله} وإن أريد ما لا يتضح بحيث يتناول المجمل ونحوه فالحق العطف، ويجوز الوقف أيضا لأنه لا يعلم جميعه أو لا يعلمه بالكنه إلا الله تعالى، وأما إذا فسر بما دل القاطع أي النص النقلي أو الدليل الجازم العقلي على أن ظاهره غير مراد ولم يقم دليل على ما هو المراد ففيه مذهبان. فمنهم من يجوز الخوض فيه وتأويله بما يرجع إلى الجادة في مثله فيجوز عنده الوقف وعدمه. ومنهم من يمنع الخوض فيه فيمتنع تأويله ويجب الوقف عنده، والذاهبون إلى الوقف من السادة الحنفية أجابوا عما ذكره غيرهم في ترجيح ما ذهبوا إليه من الوجوه، فعن الأول: بأنه أريد بيان حظ الراسخين مقابلًا لبيان حظ الزائغين إلا أنه لم يقل وأما الراسخون مبالغة في الاعتناء بشأن الراسخين حيث لم يسلك بهم سبيل المعادلة اللفظية لهؤلاء الزائغين وصينوا عن أن يذكروا معهم كما يذكر المتقابلان في الأغلب في مثل هذه المقامات وقريب من هذا قوله تعالى: {الله وَلِيُّ الذين ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مّنَ الظلمات إِلَى النور والذين كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغوت} [البقرة: 257] حيث لم يقل والطاغوت أولياء الذين كفروا، ولا الذين آمنوا وليهم الله تعظيمًا لشأنه تعالى ورعاية للاعتناء بشأن المؤمنين، وعن الثاني: بأن فائدة قيد الرسوخ المبالغة في قصر علم تأويل المتشابه عليه تعالى لأنه إذا لم يعلموه هم كما يشعر به الحكم عليهم بأنهم يقولون آمنا به فغيرهم أولى بعدم العلم فلم يبق عالم به إلا الله تعالى.
وعن الثالث: بأنه يلتزم القول بعد الحصر، وفي الإتقان أن بعضًا قال: إن الآية لا تدل على الحصر في الشيئين إذ ليس فيها شيء من طرقه ولولا ذلك لأشكل قوله تعالى: {لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ} [النمل: 44] لأن المحكم لا تتوقف معرفته على البيان والمتشابه لا يرجى بيانه فما هذا الذي يبينه النبي صلى الله عليه وسلم؟ وعن الرابع: بالتزام أن إضافة أم إلى {الكتاب} على معنى في، والمحكم أم في {الكتاب} ولكن لا للمتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه بل هو أم وأصل في فهم العبادات الشرعية كوجوب معرفته وتصديق رسله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وعلى تقدير القول بأن الإضافة لامية يلتزم الأمومة للكتاب باعتبار بعضه وهو الواسطة بين القسمين لأن متضح الدلالة كثيرًا ما يرجع إليه في خفيها مما لم يصل إلى حد الاستئثار، وعن الخامس: بأن التأويل الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس لا يتعين حمله على تأويل ما اختص علمه به تعالى بل يجوز حمله على تفسير ما يخفى تفسيره من القسم المتردد بين الأمرين اللذين ذكرهما الراغب كما ذكره.
وعن السادس: بأن الرواية عن ابن عباس أنه قال: أنا ممن يعلم تأويله معارضة بما هو أصح منها بدرجات فتسقط عن درجة الاعتبار، وعلى تقدير تسليم اعتبارها يمكن أن يقال: مراده رضي الله تعالى عنه أنا ممن يعلم تأويله أي المتشابه في الجملة حسبما دعا لي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا وإن قيل: أنه متشابه لكنه في الحقيقة واسطة بين المحكم والمتشابه بالمعنى المراد، وعن السابع: بأن مدح الراسخين بالتذكر ليس لأن لهم حظًا في معرفته بل لأنهم اتعظوا فخالفوا هواهم ووقفوا عند ما حدّ لهم مولاهم ولم يسلكوا مسلك الزائغين ولم يخوضوا مع الخائضين ويمكن على بعد أن يراد بالتذكر الانتفاع مجازًا أي إن الراسخين هم الذين ينتفعون به حيث يؤمنون به لخوص عقولهم عن غشاوة الهوى كما أنهم آمنوا بالغيب وهذا بخلاف الزائغين حيث صار المتشابه ضررًا عليهم ووبالًا لهم إذ ضلوا فيه كثيرًا وأضلوا عن سواء السبيل، وقد قال سبحانه من قبل فيما ضربه من المثل: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين} [البقرة: 26] وعن الثامن: بأنه لا بعد في أن يخاطب الله تعالى عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته ويكون ذلك من باب الابتلاء كما ابتلى سبحانه عباده بتكاليف كثيرة وعبادات وفيرة لم يعرف أحد حقيقة السر فيها، والسر في هذا الابتلاء قص جناح العقل وكسر سورة الفكر وإذهاب عجب طاوس النفس ليتوجه القلب بشراشره تجاه كعبة العبودية ويخضع تحت سرادقات الربوبية ويعترف بالقصور ويقر بالعجز عن الوصول إلى ما في هاتيك القصور وفي ذلك غاية التربية ونهاية المصلحة هذا إذا أريد بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته ما لا سبيل لأحد منهم إلى معرفته من طريق الفكر، وأما إذا أريد ما لا سبيل إلى معرفته مطلقًا سواء كانت على الإجمال أو التفصيل بالوحي أو بالإلهام لنبي أو لوليّ فوجود مثل هذا المخاطب به في القرآن في حيز المنع، ولعل القائل بكون المتشابه مما استأثر الله تعالى بعلمه لا يمنع تعليمه للنبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الوحي مثلا ولا إلقاءه في روع الوليّ الكامل مفصلًا لكن لا يصل إلى درجة الإحاطة كعلم الله تعالى وإن لم يكن مفصلًا فلا أقل من أن يكون مجملًا ومنع هذا وذاك مما لا يكاد يقول به من يعرف رتبة النبي صلى الله عليه وسلم ورتبة أولياء أمته الكاملين وإنما المنع من الإحاطة ومن معرفة على سبيل النظر والفكر وهو الطريق المعتاد والسبيل المسلوك في معرفته المشكلات واستحصال النظريات ولتبادر هذا المعنى من يعلم إذا أسند إلى الراسخين منع إسناده إليهم ومتى أريد منه العلم لا من طريق الفكر صح الإسناد وجاز العطف ولكن دون توهم هذه الإرادة من ظاهر الكلام خرط القتاد، فلهذا شاع القول بعدم العطف وكان القول به أسلم.
ويؤيد ما قلنا ما ذكره الإمام الشعراني قال: أخبرني شيخنا عليّ الخواص قدس سره إن الله تعالى أطلعه على معاني سورة الفاتحة فخرّج منها مائتي ألف علم وأربعين ألف علم وتسعمائة وتسعين علمًا وكان يقول: لا يسمى عالمًا أي عند أهل الله تعالى إلا من عرف كل لفظ جاءت به الشريعة، وقال في الكشف في نحو: {ق} {ص} {حم} {طس}: لعل إدراك ما تحته عند أهله كإدراكنا للأوليات ولا يستبعد، ففيض الباري عم نواله غير محصور؛ واستعداد الإنسان الكامل عن القبول غير محسور، ومن لم يصدق إجمالًا بأن وراء مدركات الفكرة ومباديها طورًا أو أطوارًا حظ العقل منها حظ الحس من المعقولات فهو غير متخلص عن مضيق التعطيل أو التشبيه وإن لم يتدارك حاله بقي بعد كشف الغظا في هذا التيه، ولتتحقق من هذا أن المراتب مختلفة وأن الإحاطة على الحقائق الإلهية كما هي مستحيلة إلا للباري جل ذكره وأنه لابد للعارف وإن وصل إلى أعلى المراتب أن يبقى له ما يجب الإيمان به غيبًا وهو من المتشابه الذي يقول الراسخون فيه: {بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا وَمَا} فهذا ما يجب أن يعتقد كي لا يلحد.